Skip Navigation Links

كسوف لا غروب

1 - عاش المسلمون لأكثر من ألف عام سادة الدنيا وائمتها في جميع المجالات، فى حين كان العالم من حولهم يموج بالجهل ،ويعج بمظاهر التخلف والانحطاط، وكان من يبغى التعلم يقصد قبلتهم ،ويرحل لبلادهم . ولم يكن ذلك إلا بسبب اعتزاز المسلمين بدينهم ،وتفاخرهم به بين سائر الامم ،ومن ذلك قول أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه :-"لقد كنا اذا قوم ،فاعزنا الله بالاسلام ،فمهما طلبنا العز فى غيره اذلنا الله ". وقول الصحابى الجليل ربى بن عامر رضى الله عنه -:"إن الله ابتعثنا لنخرج من شاء من عبادة العباد إلى عبادة رب العباد ،ومن ضيق الدنيا إلى سعة الدنيا والآخرة ". وقول محمد إقبال يصور جيل المسلمين الاول:- ندعوا جهارا لاإله سوى الذى صنع الوجود وقدر الأقدار ورؤوسنا يارب فوق اكفنا نرجوا ثوابك مغنما وجوارا وفى الدلالة على عظمة هذه الأجيال ،وماسطروه من صحائف وأعمال يقول هاشم الرفاعى :- ملكنا هذه الدنيا قرونا واخضعها جديد خالدونا وسطرنا صحائف من ضياء فما نسى الزمان ولانسينا 2 - وفى القرون الأخيرة ضعفت صلة المسلمين بربهم ،واستحوذت الدنيا على اهتماماتهم ،واطلت الفتن برأسها على مجتمعاتهم ،فاستغل اعداؤهم الفرصة، وانقضوا على بلادهم يمزقونها،وعلى الشعوب يقهرونها، وساعدهم على تحقيق ذلك تفوقهم المادى ومن تربوا في احضانهم من دعاة التغريب والعلمانية وسائر الأفكار البشرية . ولم يكن ذلك ظلما من الله لهم ،فالله سبحانه وتعالى لايظلم مثقال ذرة ،وإنما عقوبة لهم على تخليهم عن مصدر عزهم ،والسير في فلك أعدائهم ،وصدق الله القائل :- "إن الله لايغير مايقوم حتى يغيروا مابانفسهم". 3 - وقد أثمرت هذه الحالة ياسا لدى البعض من إمكانية الإصلاح ،كما كلفت الدعاة والمصلحين الكثير من التضحيات ،ولاتزال . وفى إطار العودة بالأمة إلى مسارها ،واستعادة مجدها وعزها كان هذا العنوان (كسوف لا غروب ) وهو عنوان اختاره الأستاذ محمد أحمد الراشد فى كتابه (المنطلق) وفيه تأكيد على أن ماتمر به الأمة الإسلامية هى حالة من الكسوف تعترى الشمس وهى حالة شاذة سرعان ماتزول ،ويبقى الحق حقا والباطل باطلا ،مادامت للحق عصبته والداعون إليه ،لايضرهم من خالفهم ولو كانوا قلة . يقول الأستاذ الراشد :-"كما تاوى الطيور إلى اعشاشها حين تكسف الشمس ظهرا ،وتعرف بفطرتها أن ثمة شذوذا قد حصل ،وأن الغروب لايزال بعيداً، ويكون لها الشعاع الضئيل الباقى مصدر أمل لعودة سريعة لنور الحياة ،وتظل تنتظر لاتنام ،فكذلك أولو القلوب الحية ،يدركون بفطرتهم أن تنحية الإسلام عن الحكم كانت حدثا هائلا غريبا،لكنه ليس الغروب ،وإنما هو حدث شاذ ،وما استمرار وجود عصبة للحق باقية -مهما كانت ضئيلة-الا مصدر أمل لعودة الإسلام إلى الحياة ،بل دلالة اكيدةعلى انه سيعود للحياة ------الخ . ٤-إن العودة إلى الإسلام باتت واضحة فى كثير من المظاهر الحياتية ،واشتداد الحرب عليها دليل على قوتها ، وقرب بزوغ فجرها إن شاء الله تعالى، ويومئذ يفرح المؤمنون بنصر الله ،ينصر من يشاء ،وهو العزيز الرحيم

د/ طلعت عفيفي